مصاعب تحصيل الدقة في مدافع الدبابات
القوة النارية fire power هي إحدى أهم مؤشرات الأداء لدبابات المعركة الرئيسة بالإضافة لعناصر قابلية الحركة وقابلية البقاء. قابلية الحركة mobility تعرف عموماً على أنها قدرة دبابات المعركة على الحركة والسير، عملياً خلال أنواع مختلفة من التضاريس الأرضية ولمديات طويلة مع القدرة على تغيير موقعها بسرعة في زمن استجابة قصير نسبياً. قابلية الحركة مرتبطة أيضاً بقدرات أخرى لدبابات المعركة، مثل عبور العقبات العمودية والقدرة على تجاوز العوائق المائية، الخ. أما بالنسبة لقابلية البقاء survivability، فإنها معرفه كقابلية الدبابة على تفادى أخطار ساحة المعركة ومقاومة هجمات العدو. قابلية البقاء مقيمة ومفعلة ضمن عدد من العناصر، مثل الصورة الظلية المخفضة، توفر نظام حماية نشط، الحماية البالستية، الحماية من أسلحة الدمار الشامل، الخ.
تأثير القوة النارية يتعلق مباشرة باحتمالات إصابة الهدف hit-probability من الرمية الأولى. هذه الاحتمالية متأثرة وربما منتقصة بتأثير عدد من القضايا المرتبطة بعمل السلاح ككل، مثل أخطاء نظام السيطرة على النيران FCS، التفاعل بين المقذوف وسبطانة المدفع والتغيرات البيئية المتقلبة environmental changes والتي لا يمكن التنبؤ بها. هذه الأخطاء يمكن أن تزال أو تخفض بالفهم الصحيح لمجريات عملية إطلاق النار ذاتها، وكذلك بتحسين قابليات أنظمة السيطرة على النيران والمجسات الدقيقة الداعمة لعملها. أيضاً في دبابات المعركة الحديثة، هناك توجه نحو تبني سبطانات مدافع أكثر طولاً longer barrels وذلك لزيادة مدى الاشتباك وإنجاز طاقة حركية أعلى قيمة أثناء اصطدام المقذوف بالهدف.
استخدام سبطانات مدافع أكثر طولاً يؤدي إلى زيادة لاحقة ومستحقة في الاهتزازات المستعرضة لمقدمة هذه السبطانات، خصوصا أثناء حركة الدبابة. أنظمة السيطرة التقليدية على المدافع لا توفر معلومات الإزاحة والتغيير عند مقدمة/فوهة سبطانة السلاح، لذلك الإزاحة المستعرضة transverse displacement عند فوهة السبطانة لا يمكن أن تعوض بأنظمة الاستقرار وهذا بالتأكيد يؤثر عكسياً على الأداء العام للنظام ويخفض احتمالات إصابة الهدف بالضربة الأولى.
إن فهم المصاعب المرتبطة بتحصيل عناصر الدقة واحتمالات القتل في علم المدفعية عند المديات البعيدة، يتطلب بشكل رئيس نظرة فاحصة ومتأنية لأفرع علم المقذوفات، حيث تعرض هذه العلوم تأثيراً حاسماً يؤثر على سلوك المقذوف من لحظة إطلاق النار وحتى وصوله وارتطامه بالهدف. ولكي نبسط المسألة، هناك ثلاث أفرع رئيسة لعلم المقذوفات هي: علم المقذوفات الداخلي internal ballistics، علم المقذوفات الخارجي external ballistics، علم المقذوفات الطرفي أو النهائي terminal ballistics. علم المقذوفات الداخلي يتناول مظاهر عملية إطلاق النار وما يصاحبها من حركة المقذوف داخل سبطانة المدفع وحتى مغادرة الفوهة. علم المقذوفات الخارجي يتعامل مع سلوك المقذوف بعد مغادرة فوهة السلاح على طول محور طيرانه حتى يصل نقطته النهائية. الفرع الأخير أو علم المقذوفات الخارجي، فهذا يتناول عملية ضرب كتلة الهدف وعدد من الاحتمالات المرتبطة مثل الانحراف أو الاختراق أو ثقب تركيبه.
وكقاعدة عامة، فإنه لإحداث مستوى عالي من قوة الاختراق والتأثير القاتل lethal effect، المقذوف مخترق الدروع يجب أن يدفع في مسار مسطح للمدى الأقصى وهذا بالطبع نتيجة سرعة الفوهة العالية. هذا الأمر يمكن إنجازه بتوفير الضغط القاعدي العالي high-pressure المستحدث من احتراق شحة الدافع المحترقة داخل حجرة مغلاق المدفع. وبينما يبلغ الضغط ذروته، المقذوف سيتحرك ويعجل على طول السبطانة باتجاه الفوهة. إن السرعة التي يترك بها المقذوف فوهة السلاح تدعى "سرعة الفوهة" muzzle velocity. وكلما زادت سرعة الفوهة التي يندفع فيها المقذوف، كلما عرض طيرانه مساراً أكثر تسطحاً لمسافة مقاسة ومحددة، حتى يعمل قانون الجاذبية law of gravity على التسبب في انحدار المقذوف وهبوطه نحو الأرض.
العديد من دراسات علم المقذوفات ballistics التي أنجزت من قبل الباحثين، أظهرت بوضوح أنه ليس جميع العوامل التي تؤثر على طيران المقذوف وبالتالي احتمالات إصابته للهدف، يمكن أن تقيم وتقدر بدقة قبل الإطلاق. فحتى مع توفر أفضل أنظمة السيطرة على النيران FCS وكذلك أطقم الرماية المدربين وأصحاب الخبرة، المقذوفات الأولى قد لا تصيب الهدف بالضرورة. لذا، هو من الضروري توفير التصحيحات الملائمة إلى بيانات إطلاق النار الأولى وذلك من أجل تحويل المقذوفات وتأكيدها على كتلة الهدف. في الحقيقة، مصاعب تحصيل الدقة لمدافع الدبابات guns accuracy والرغبة في تسجيل الإصابة من الرمية الأولى، كانت على الدوام الشغل الشاغل لمصممي أسلحة الدبابات ومستخدميها على حد سواء. ولنعد خطوة إلى الوراء ونفترض أنك كنت تخوض تجربة حقيقية لإطلاق النار من على دبابة معركة رئيسة وكنت في تلك اللحظة تتحرك على أرض وعرة rough terrain، لكنك ببساطة أخطأت الهدف، والسؤال هنا لماذا؟؟
يرى الباحثين أن هناك العديد من العوامل التي تحكم احتمالات إصابة مقذوف ما لهدف جرى التسديد عليه. هذه العوامل تتراوح ما بين انحناء سبطانة المدفع gun droop نتيجة مظاهر التسخين والتبريد غير المنتظم، معايرة بصريات التسديد sighting calibration وبالتالي التوجيه الخاطئ، اهتراء سبطانة المدفع gun wear وبالتالي حدوث إزاحة جانبية وتشويه لسطح السبطانة الداخلي، الذخيرة ammunition من حيث درجة حرارة شحنة الدافع، الأحوال الجوية meteorological conditions من حيث درجة الحرارة الخارجية والضغط والريح والمطر والرطوبة، حركة سبطانة المدفع وما ينتج عنها من تفرق أو تشتت للمقذوفات gun dispersion كما هو الحال مع مظهر القفزة. وبكلمات أخرى، احتمالات الإصابة من الرمية الأولى متأثرة كثيراً بشروط أو متغيرات المقذوفات المطلقة، التصنيع غير المثالي للمدفع، أخطاء نظام السيطرة على النيران، التفاعل ما بين المقذوف وسبطانة المدفع والأحوال البيئية/الجوية المتقلبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق