دبابات المعركة والحاجة لأنظمة تبريد/تكييف الهواء
في الطقس الصحراوي الحار والمشمس، الجلوس في داخل دبابات المعركة وعربات القتال الأخرى يمكن تشبيهه بالجلوس قرب فرن أو شواية كهربائية electric grill، حيث درجات الحرارة في داخل مقصورة الطاقم يمكن أن تصل إلى +50 درجة مئوية. في مثل هذه الشروط، المحافظة على وتيرة ثابتة لعمل وأداء أفراد الطاقم لزمن طويل نسبياً تبدو أمراً مستبعداً، لذا حضور أنظمة تبريد/تكييف الهواء air-cooling/conditioner بات مطلباً ضروريا لتبريد مقصورات المشغلين. أسباب مواجهة أفراد الطاقم لحالة التسخين المفرط، تعود بشكل رئيس ومباشر لصفائح الدرع armor plats. إذ يتعرض هيكل وبرج الدبابة للتسخين، أولاً بسبب أشعة الشمس المباشرة التي تضرب سطح الدبابة المكشوف بالكامل وتعمل على زيادة تسخينه بسرعة كبيرة. هناك أيضاً الهواء الساخن في المحيط ومثيله الصادر عن سطح الأرض. هذا التسخين الضار، مكمل حقيقتاً بالمصادر الأخرى للتسخين، مثل المحرك الدوار وناقل الحركة، حيث تتسلل الحرارة إلى مقصورة القتال. أنظمة تبريد الهواء يجب أن تكون بقوة تبريد كافية مع استهلاك أقل ما يمكن من الطاقة الكهربائية، بالإضافة لمراعاة القيود الصارمة المفروضة على الأبعاد العامة للمنظومة. على أية حال، جميع هذه المسائل جرى حلها وتجاوز مصاعبها بطريقة أو بأخرى.
مكيف الهواء في الحياة العادية عبارة عن نظام ضخم، يتطلب
كلتا الأجهزة الداخلية والخارجية لتبريد غرفة معينة. لكن دبابة المعركة ليست شقة
أو مكتب، وهناك دائماً فضاء صغير ومحدود جداً في الداخل، خصوصا في الدبابات
الشرقية. وحتى في الدبابات الغربية، هو ليس من المحتمل لوضع نظام التكيف بشكل
ملائم في داخل مقصورة القتال، خصوصا وهي (مقصورة القتال) مكتظة بالأساس بالعديد من
الأنظمة والتجهيزات الأخرى الضرورية. بدلاً من ذلك، توضع مكيفات الهواء في دبابات
المعركة للخارج بدلا من صناديق قطع الغيار أو في الأماكن الأخرى، بعيدا عن الدرع
الأمامي. فهي إما أن توضع عند مؤخرة البرج كما في العديد من الدبابات الغربية، أو
لجانب البرج كما في بعض الدبابات ذات التصميم الشرقي. ومن العنصر الخارجي، يتم
إيصال أنابيب أو فتحات التهوية لداخل مقصورة الطاقم عبر صفيحة الدرع من أجل
التبريد.
خلال الحرب العالمية الثانية، المعركة بين القوات
الألمانية والبريطانية في ساحة شمال أفريقيا، كانت مهمة جداً لكلا الطرفين.
المبارزة بين الجنرالين المشهورين، الألماني "رومل" Rommel والبريطاني "مونتغمري" Montgomery أصبحت حديث
الصحافة وجميع القادة العسكريين في أوربا. لقد حاول
الجنرالان المشهوران تطبيق أفضل ما لديهم من الخطط والتكتيكات من أجل أن هزيمة
أحدهم الآخر في صحاري شمال أفريقيا، لكن في نفس الوقت، كان هناك عليهم مواجهة عدو
مشترك لا يقل خطورة عمن سواه، ألا وهو درجات الحرارة والتسخين الشديد في ساحة
المعركة المقررة. أثناء الحرب العالمية الثانية، مفهوم الهندسة الإنسانية ergonomics كان ما يزال
في بداياته، لذلك الجيش الأمريكي لم يكن حريصاً على صرف المزيد من النفقات من أجل
تأمين ظروف عمل أفضل للجنود وراحة أكبر لأطقم عربات القتال المدرعة. لذا، طريقة
التبريد الوحيدة لتلك العربات كانت باتباع تكتيك 4/60، والذي يعني بأن سرعة العربة
المدرعة يجب أن ترفع إلى 60 كلم/س، وفي ذات الوقت أغطية التهوية الأربعة على سقف العربة
يجب أن تكون مفتوحة.
السوفييت بدورهم نفذوا أواخر بداية الثمانينات اختبار مهم لقطع المسافات
البعيدة وتبيان مدى استعداد عرباتهم القتالية لمواجهة الظروف الصحراوية المتطرفة
والتسخين الحراري. الاختبار نفذ بدبابات T-62 وأجري في منطقة صحراوية واسعة تدعى "كيزيلكوم" Kyzylkum جنوب
أوزبكستان (صحراء أغلب مناطقها مغطاة بالكثبان الرملية، حيث درجات الحرارة غالباً
ما تكون مرتفعة جداً ويمكن أن تصل خلال شهور الصيف لنحو 52 درجة مئوية أو أكثر). لتنفيذ
الاختبار، تم اختيار أوقات الظهيرة والتسخين الحراري في أقصاه، من الساعة 12:00
إلى 18:00. في نفس الوقت، جرى تسجيل درجة حرارة الجو داخل مقصورات طاقم الدبابات والتي
بلغت 48 درجة مئوية، في حين وصلت درجة حرارة السطوح الداخلية للدبابة لنحو 55 درجة
مئوية. أرتدى جميع أفراد الأطقم نفس الملابس التي تتضمن البنطلونات والسترات القطنية،
بالإضافة للصداري القماشية وأحذية البوت الجلدية Kirza boots.
أثناء الاختبار، الحقيقة تأكدت وبانت تفاصيلها للخبراء السوفييت: بدون نظام
تكييف في ظل المناخ المتطرف والحرارة الشديدة، حتى وإن كانت الدبابة لا تمارس عمل
قتالي فعلي، فإن ذلك بلا شك أمر معقد وأشبه بالتعذيب أو التنكيل بأفراد الطاقم. قائد
الدبابة والمدفعي، لم يستطيعا الوقوف لأكثر من ثلاث ساعات. علاوة على ذلك، هو كان
أمر شائع لمقاطعة وإيقاف العمل أثناء الاختبار لمدة ساعة أو ساعتين من بدئه وذلك لأن بعض أفراد الأطقم فقدوا الوعي lost consciousness، أو أن الاستمرار في الاختبار كان
سيعرض صحتهم العامة للخطر الشديد. مراقبة
المؤشرات الفسيولوجية physiological
parameters التي تعني بقياس وتتبع وظائف
الجسم الهامة، أظهرت ارتفاع في درجات حارة أجساد كل من القائد والمدفعي حتى 38.5 -
38.6 درجة مئوية (درجة حرارة الجسم الطبيعية كمتوسط هي 37 درجة مئوية)، وزاد معدل
نبضات القلب إلى 120 نبضة في الدقيقة (معدل ضربات القلب الطبيعي للبالغين يتراوح ما
بين 60 و100 نبضة في الدقيقة)، كما لوحظ
ارتفاع في خسارة رطوبة الجسم أثناء التعرق وبلغ ذلك نحو 850 غرام بالساعة (معدل الخسارة
الطبيعي للماء بالنسبة للبالغين يبلغ حوالي 2.5 إلى 3 لتر باليوم).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق