بحث في مواضيع المدونة..

الثلاثاء، 15 أغسطس 2023

تجــارب قتــال الــدروع فــي البيئــة الحضريــة



أحد الدروس الرئيسة التي تعلمتها القوات الأمريكية والائتلافية عند مواجهتها عمليات المقاومة العراقية، بالإضافة إلى الدروس الإسرائيلية المستفادة من النزاعات المحدودة مع جيرانهم الفلسطينيين، بأن فريق قتال متكامل ومدمج بشكل كلي integrated combat-team يمكن أن يكون عنصر حاسم في أي بيئة قتال حضرية. فعبر سلسلة من العمليات القتالية الحضرية، أظهر الدعم التعاوني والمتبادل بين الدروع من جهة وعناصر وحدات المشاة التكتيكية من جهة أخرى، أنه يستطيع تحقيق نجاحات كبيرة ونتائج إيجابية، في ذات الوقت الذي هو يبقي على مستوى الإصابات والضرر الإضافي في الحدود الدنيا minimum limits. وحدات المشاة التكتيكية الصغيرة يمكن أن تواجه أضرار جدية عند تنقلها في تفاصيل البيئة الحضرية (هي ليست مسلحة بشكل كافي) وقد تخضع إلى النار العدائية الحادة، مع قابلية محدودة نسبياً على تحديد مصادر النيران المعادية. إذ تفتقر أسلحة وحدات المشاة الصغيرة إلى القوة النارية الكافية لإخضاع وتحطيم مخابئ العدو المحمية جيداً enemy bunkers، خصوصاً المواقع المموهة بعناية في المباني المحيطة.

حركة الوحدات خلال المناطق المبنية تعرض صعوبات جدية في إبقاء السيطرة والتعريف/التعيين المتبادل mutual identification وفي هذه الظروف يزداد خطر الإصابات وحالات القتل الصديق. الدبابات وعربات القتال الأخرى هي أيضاً تواجه مشاكل عديدة وأعداء كثر في البيئة الحضرية، ليس أقلها هجمات القذائف العاملة بالدفع الصاروخي RPG وأدوات التفجير المرتجلة الثقيلة IED.

ونتيجة لكون السيناريو الحضري ليس له "خط مواجهة" frontline واضح بالمفهوم التقليدي، لذا الهجمات يمكن أن تجيء ليست فقط من المقدمة حيث الدبابات محمية بشكل جيد، لكن أيضاً من فوق ومن الأجنحة أو المؤخرة حيث التدريع أقل سماكة. هجمات أخرى يمكن أن تنفذ بالألغام أو بأدوات التفجير المرتجلة من السطح السفلي below surface. في الحقيقة، الحرب الحضرية لم تكن في يوم من الأيام حلم قادة الوحدات المدرعة، إلا أن عدد هام من معارك المستقبل ستحدث حتماً في هذه البيئة. وعلى بالرغم من أن قيمة الدعم الذي توفره الدبابات لا يمكن أن يهمل، إلا أن التقليل من تقدير خطورة هذه البيئة هو الآخر لا يمكن تجاوزه، حيث يتمنى القادة استخدام كافة العناصر القتالية المتوفرة من أجل تخفيض الإصابات reduce casualties.

خلال مقابلات مع بعض عناصر القوات المدرعة الأمريكية في العراق، هم تحدثوا عن عدة وسائل وتكتيكات فعالة استعملت بمهنية من قبل المقاومة العراقية، بضمن ذلك القنص وإسقاط القنابل من أسقف المباني أو نوافذ الأدوار العليا upper windows، في محاولة لمهاجمة الأطقم وقادة العربات من خلال الكوات السقفية المفتوحة. تضمنت التكتيكات الأخرى هجمات آنية ومتزامنة على كلتا الأجنحة من الممرات القريبة، مما سمح للمهاجمين بإطلاق أسلحتهم الكتفية المضادة للدروع من المدى القريب والتسديد باتجاه المواضع الضعيفة نسبياً في دروع الدبابات.

جنود سلاح البحرية الأمريكي U.S. Marine Corps على سبيل المثال، استخدموا بشكل شامل أسلحتهم الثقيلة في العراق وذلك ابتداء من مرحلة القتال الرئيسة في مارس/أبريل 2003. حضور هذه الأسلحة كان بارزاً أثناء قتال الفرقة البحرية الأولى جوهريا كفرقة آلية mechanized division، مع نحو 150 دبابة من نوع M1A1 وأكثر من 400 عربة ناقلة للجنود مدرعة برمائية من نوع AAV-7 (الفرقة البحرية الأولى كانت حينها تحت قيادة اللواء جيمس ماتيس James Mattis وكانت إحدى القوات الأرضية الأمريكية الرئيسة التي شاركت في اجتياح العراق واحتلاله العام 2003). عربات المشاة القتالية المدرعة التابعة للجيش الأمريكي من نوع Bradley كانت بشكل واضح أكثر تفوقاً من مثيلتها AAV-7 التابعة لسلاح البحرية، خصوصاً وأن الأخيرة مصممة أولياً للعمل كعربة برمائية مع القدرة على العوم بعد انزالها من السفن البحرية باتجاه شواطئ الإنزال.

مع ذلك، سلاح البحرية قرر استخدامها في دور عربة مشاة قتالية IFV. وأثناء الحركة باتجاه الأهداف، أفراد المشاة البحري كانوا عموماً يبقون في عرباتهم البرمائية بشكل قريب في مؤخرة الدبابات، في ذات الوقت الذي كانت فيه هذه تقود الهجوم. وعند الوصول لنقطة قريبة من مواضع تمركز العدو، تحرص تكتيكات سلاح البحرية وبشكل مؤكد على وضع أعداد كبيرة من أفراد المشاة الراجل dismounted infantry حول دباباتهم، خصوصا عند الاشتغال في المناطق الحضرية. وفي اللحظة التي يترجل المشاة من عرباتهم البرمائية، تقوم هذه العربات بتوفير نيران اسناد بقاذفات القنابل من عيار 40 ملم والرشاشات من عيار 12.7 ملم.

أثناء العمل العسكري الممتد والطويل لمواجهة المقاومة العراقية، سلاح البحرية عمل على تنفيذ استخدام شامل للدبابات وعربات AAV-7. الاستعمال الأمريكي الأبرز لقوات الدرع الثقيل كان في أواخر العام 2004 وتحديداً أثناء معركة إعادة السيطرة على مدينة الفلوجة Fallujah غرب بغداد، حيث سميت العملية باسم "الفجر" Al-Fajr (7 نوفمبر – 23 ديسمبر 2004). دبابات Abrams التي العديد منها كان من وحدات الجيش الأمريكي المدرعة، ألحقت بجنود البحرية ولعبت دوراً رئيساً في تلك المعركة. لقد واصل جنود البحرية عملهم والاستخدام الشامل لسلاح الدرع الثقيل من العام 2005 وحتى 2009. الدبابات وعربات الهجوم البرمائية كانت تستعمل لتزويد قابلية حركة محمية للقوات وتوفير نيران اسناد للمشاة الراجل وكذلك لحراسة القوافل guard convoys. وبالمقارنة إلى مرحلة القتال الرئيسة لعملية حرية العراق في أبريل - مارس 2003، سلاح الدروع البحري عمل في الوحدات الأصغر. أحيانا، فصائل دبابات أو عربات فردية، خصصت جوهرياً لدعم عمليات المشاة. وخلال مرحلة القتال الرئيسة، مالت الدبابات للعمل في تشكيل السرايا أو وحدات بحجم الكتيبة.

مصادر سلاح بحرية صرحت بأن استخدام الدبابات والعربات البرمائية كان حاسماً وساعد على تقليل الإصابات بين القوات الصديقة. جنود البحرية يعتقدون أن الدبابات ساهمت بشكل كبير انجاح عملية كبح المقاومة العراقية. هم لاحظوا أن الدبابات يمكن أن تنجو من ضربات أسلحة المقاومين والتي يمكن لها تدمير أي عربة مدرعة أخرى بسهولة. على سبيل المثال، مصدر مسؤول في قيادة البحرية الأمريكية يستشهد بمثال لدبابة Abrams تابعة لسلاح البحرية تعرضت لهجوم بأداة تفجير مرتجلة IED كانت محمولة على عربة. لقد أدى ذلك إلى انفجار ضخم الذي اجتاح وهشم جميع التروس الخارجية، لكنه رغم ذلك أوقع ضرر هيكلي structural damage أقل ما يمكن على بدن الدبابة. لقد كان بالإمكان إجراء عمليات إصلاح متقنة للعربة المتضررة التي عادت للخدمة بعد يوم واحد فقط.

ويضيف ذلك المسؤول بالقول: لا عربة أخرى في موجودات سلاح البحرية يمكن أن تنجو من مثل هذه الانفجار الشديد. مقابل ذلك، العربة البرمائية AAV-7 أظهرت ضعف واضح أثناء مرحلة مواجهة المقاومة العراقية وفي حادثة واحدة موثقة رسمياً، كتيبة مشاة من احتياطي البحرية فقدت أكثر من 20 رجل عندما وطأت عربتها AAV-7 أداة تفجير مرتجلة كبيرة الحجم كانت مدفونة أسفل الطريق مما أدى لقلب العربة رأساً على عقب ومقتل جميع الركاب (العربة تتحصل على طاقم من ثلاثة أفراد هما القائد والمدفعي والسائق. أما مقصورة الركاب الواسعة فهي قادرة على حمل 25 جندي بحرية بكامل تجهيزاتهم، أو نحو 4500 كلغم من التجهيزات).

الجيش الكندي Canadian Army هو الآخر له تجربته الخاصة وتوصياته في القتال الحضري. بداية وفي العام 2000-2001، أجرت وزارة الدفاع الكندية مراجعة داخلية مهمة بقصد تقرير تركيبة القوات المسلحة خلال السنوات 15 - 20 القادمة. في ذلك الوقت قرار جريء تم اتخاذه بشأن دبابات الجيش المتقادمة من نوع Leopard 1 والتي تقرر عدم استبدالها بدبابات أخرى أحدث عند خروجها من الخدمة وأن البديل سيكون بتبني عربات الهجوم الخفيفة المدولبة LAV (الأحرف اختصار فقرة Light Armored Vehicle) التي ستمثل عنصر الدرع الأثقل بالجيش. لكن عندما جاءت تجربة القتال في أفغانستان تغيرت تفاصيل هذه المراجعة، بل ومنظور الجيش الكندي بالكامل لمفهوم "القوات الثقيلة" heavy forces.

إذ ومع تنامي قدرات مقاتلي طالبان على المقاومة وتنفيذ الكمائن خصوصاً في العام 2006 عندما اضطلعت كندا بدور أكبر في النزاع الأفغاني نتيجة اعادة نشر قواتها في مقاطعة قندهار Kandahar، القوات الكندية في جنوب أفغانستان وجدت أن عرباتها المدرعة الخفيفة من نوع LAV-III كانت عاجزة عن تنفيذ بعض المهام الموكلة إليها. المدفع المثبت على هذه العربات من نوع M242 Bushmaster عيار 25 ملم، لم يكن بالقوة المطلوبة للتعامل مع بعض الأهداف، مثل المباني والتراكيب الإنشائية جيدة البناء. أيضاً العربات لم تكن تتحصل على حماية كافية من الألغام الأرضية ومتفجرات الطريق المرتجلة ومقذوفات RPG ونيران المدافع عديمة الارتداد التي استخدمتها قوات طالبان بكثافة.

علاوة على ذلك، هذه العربات التي تماثل عربات الجيش الأمريكي نوع Strykers، لكن مع مدفع عيار 25 ملم بدلاً من الرشاشة 12.7 ملم، انحصر تشغيلها في أغلب الأحيان على الطرق الصلبة والمعبدة وذلك لأن ضغطهم الأرضي العالي تسبب في العديد من الحالات بانحصارهم بالطين عندما ساروا خارج الطرق. الوثائق الرسمية الكندية تشير إلى أن أغلبية إصابات قواتهم في أفغانستان حدثت أثناء القيام بدوريات على متن العربات LAV-III (هذا الأمر يمكن تفسيره بحقيقة كون هذه العربة هي الأكثر استخداماً في المسرح الأفغاني من قبل القوات الكندية، لذا كان من الطبيعي تعرضها لكمائن المقاومة المتضمنة الألغام ومتفجرات الطريق المرتجلة IED). نفس الوثائق تشير إلى أن الجيش الكندي فقد أثناء مهمته في أفغانستان بشكل نهائي أكثر من 34 عربة بالإضافة لعدد 359 عربة تعرضت للضرر. من ذلك، عدد ثلاثة عشر عربة LAV-III دمرت بالكامل وأكثر من 159 أتلفت نتيجة متفجرات الطريق المرتجلة أو ما يسمى بقنابل جانب الطريق roadside bombs.

تزايد خسائر العربات المدرعة الخفيفة استدعى تدخل سريع من الحكومة الكندية وتوقيع عدد من العقود لتحسين واصلاح واستبدال عربات LAV-III المتضررة نتيجة العمليات العسكرية في أفغانستان. بالنتيجة، جرى تطوير هذه العربات وتزويدها بالحماية المحسنة بالإضافة لتعزيز حركيتها. أحد هذه العقود كان مع شركة جنرال ديناميكس للأنظمة الأرضية GDLS من أجل تطوير عدد 550 عربة نوع LAV-III وتحسين قابلياتها تجاه الألغام الأرضية ومتفجرات الطريق المرتجلة التي كانت سبباً لعدد كبير من الوفيات الكندية في أفغانستان. التحسينات في المجمل تضمنت زيادة حماية الدرع، محرك جديد أكثر قوة، أنظمة توجيه وكبح لمجموعة تسيير العربة. الكوات السقفية لبرج العربة LAV-III جرى تكبيرها لتسهيل حركة الدخول والخروج بالإضافة لتزويد العربة بنظام متقدم للسيطرة على النيران وأنظمة رؤية حرارية/نهارية محسنة وكذلك شاشات عرض رقمية. مع هذه التعديلات، وزن العربة تصاعد من 17000 كلغم ليبلغ 25000 كلغم.

تزايد معدل الإصابات والخسائر الكندية في أفغانستان دفع بالقادة العسكريين للتوصية بإرسال الدبابات لتوفير الدعم والإسناد لقواتهم الأرضية. لقد قاموا بالفعل في خريف العام 2006 بإرسال عدد 17 دبابة من نوع Leopard 1 مجهزة بوحدات الدرع الردي السلبي MEXAS بالإضافة لأربع عربات استعادة ومثلها عربات هندسة. الدبابات الأولى وصلت إلى قندهار في منتصف شهر أكتوبر 2006 وسريعاً أصبحت هذه القوة الثقيلة وحدة الإسناد الرئيسة في جنوب أفغانستان لكل من القوات الكندية والأفغانية والبريطانية. بعد ذلك، الجيش الكندي بدأ برنامج عاجل لشراء دبابات Leopard 2 من الفائض الألماني والهولندي (دبابة بقوة نارية أكبر وحماية محسنة من الألغام تحت الهيكل وتحسينات داخلية لتعزيز قابلية بقاء الطاقم، أفضل بكثير من مثيلتها Leopard 1). أيضاً كان هناك عدد 20 دبابة Leopard 2 قامت الحكومة الألمانية بإعارتها للقوات الكندية من أجل استخدامها في أفغانستان، حيث وصلت الدبابات الجديدة لمسرح العمليات في 16 أغسطس العام 2007 وكانت ناجحة لدرجة أكبر من الدبابات الأقدم.

مصادر الجيش الكندي ذكرت أن قواتهم استخدمت الدبابات في المجموعات الصغيرة، تماما مثل سلاح البحرية والجيش البريطاني، وبشكل عام لدعم واسناد عمليات المشاة support operations. الكنديون صرحوا أيضاً بأنهم لاحظوا أن القوافل التي كانت بحماية الدبابات، كانت أقل احتمالاً بكثير للتعرض لكمائن طالبان. وخلال خدمتها الميدانية، عدد ثلاث دبابات كندية أعطبت بشدة في أفغانستان، واحدة منها من نوع Leopard 1 ودبابتان من نوع Leopard 2 (فقط عنصر واحد من طاقم إحدى الدبابات قتل). دبابات Leopard 2 التي عملت في أفغانستان جرى تعديلها لاحقاً وتزويدها بالدروع المحسنة، بشكل خاص واقيات الجنازير المعدنية من أجل تفجير الرؤوس الحربية لمقذوفات RPG، وكذلك تزويدها بدرع القضبان/الشرائح وغطاء التمويه البصري المدعو barracuda بالإضافة لتجهيزات خاصة بقصد توفير المزيد من راحة الطاقم مثل أنظمة التبريد cooling systems لتحمل حرارة الصيف المتطرفة التي لوحظ تخفيضها قدرات الطاقم القتالية بشكل ملفت.

الدنماركيون Danes هم الآخرين كان لديهم مجموعة قتالية بحجم كتيبة في جنوب أفغانستان، ملحقة في عملها بالقوات البريطانية في ولاية "هلمند" Helmand. هذه الوحدة كانت مزيج من المشاة الخفيف والسرايا الآلية، زائدا وحدات الدعم والتموين. فصيل دبابات نوع Leopard 2 أيضاً أرسل العام 2007 وكان ضمن تشكيل هذه الكتيبة التي تولت توفير الدعم الناري الثقيل لأحد ألوية الجيش البريطاني في جنوب أفغانستان. استخدم الدنماركيون فصيل دبابتهم كوحدة جماعية أو كعربات فردية وذلك اعتماداً على الوضع الميداني. مصادر الجيش الدانماركية ذكرت بأن الدبابات كانت ناجحة جداً في أفغانستان. إذ كان باستطاعتهم توفير حماية وقوة نارية لا يجاريها أي نظام آخر.

مع ذلك، التقييدات الرئيسة لعمل الدبابات تركز غالبا في عدم قابليتهم اقتحام المناطق الجبلية وعبئهم اللوجستي الكبير logistical burden. التهديد الأكبر تمثل بأدوات التفجير المرتجلة التي تطلبت في أحيان كثيرة استدعاء وحدات الهندسة وربما عربات الاسترجاع recovery vehicles. على أية حال، الدنماركيون لاحظوا بأن الأمر يتطلب استخدام شحنات ناسفة كبيرة الحجم لإلحاق الضرر بشكل جدي بهيكل الدبابة Leopard 2. هم ذكروا أيضاً بأن السلاح الرئيس للدبابة من عيار 120 ملم، تميز بالدقة وساعد في تقليل إمكانية الضرر الإضافي والإصابات بين المدنيين، كما أن الدبابات استطاعت الرد بسرعة متى ما حدث اتصال أو اشتباك مع مقاتلي طالبان.